الجمعة، 18 أبريل 2014

ابحاث في التراث العربي الاسلامي


من داخل اروقة مجالس
    بغداد الثقافية



ابحاث
في التراث العربي الاسلامي

الباحث
محسن جبار العارضي

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
  "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُتوا العلم درجات"المجادلة/11
                                                        "صدق الله العلي العظيم"
كان الناس قديما،لاسيما الاغريق والرومان،يجتمعون في الاسواق والساحات والاماكن العامة للمناظرة والنقاش في القضايا المرتبطة بالحياة العامة،والذي يزيد من اهمية تلك الاجتماعات حضور اناس ذوي مكانة اجتماعية عامة او سياسية او ادبية خاصة،للاشتراك في مناقشاتها.
وفي العصور الوسطى وما تلاها،كثيرا ما كانت تجري النشاطات والمعارك الادبية والفكرية في قصور الملوك والحكام والولاة،وكان لكثير من هؤلاء الملوك والحكام،اعداد غير قليلة من الشعراء والادباء الذين يتبنون افكارهم ويدافعون عنها ويروجون لها بين الخاصة والعامة.
وفي الازمنة الحديثة،ضهرت الصالونات الادبية في بعض البلدان العربية والاسلامية ،لاسيما مصر،التي كان العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري وميْ زيادة صالونات مميزة فيها .
وفي بلدنا العراق ،لم يكن ضهور المجالس الادبية مقتصرا على العاصمة بغداد فحسب،انما كان هناك ضهور ملفت في المدن العراقية الكبرى التي اشتهرت بكثرة شعرائها وادبائها([1])،الامر الذي حفز الحركة الادبية والفكرية في العراق على ان تاخذ زمام المبادرة وتستفيد من هذه المجالس التي كانت العاصمة بغداد تحظى بالنصيب الاكبر منها،على اعتبار انها الوسيلة الناجعة المعول عليها للتواصل بين الرعيل الاول من رواد العلم والمعرفة وباقي شرائح المجتمع العراقي (التي كانت تعاني من الاثار القاتلة للفقر والجهل والمرض)والاخذ بيدها نحو اسباب التقدم والازدهار،الامر الذي جعل هذه المجالس تتمتع باهمية خاصة، لانها شكلت الى جانب المؤسسة التربوية الرسمية(بمراحلها الثلاث)ثنائي اخذ على عاتقه القيام بمهمة انسانية على قدر كبير من الاهمية،لا لشئ اِلاّ لكون الشعب العراقي وقتئذ،كان يعاني من الامية،بسبب سياسة التجهيل المتعمدة التي اعتمدها الاستعمار العثماني لفترة تجاوزت اربعة قرون تقريبا.
ولقد ظلت المجالس الادبية والثقافية في العراق ،لاسيما البغدادية منها،ومنذ العقد الاول من القرن العشرين،تمارس دورها العلمي والادبي لردم الهوّة بين العراق والعالم المتقدم،بالرغم من كل الضروف الصعبة التي واجهتها بسبب المتغيرات السياسية والاقتصادية النتي مرت على العراق الحديث طيلة فترة الحكم الاهلي (1921 ـ 1958م).
لكن بوادر الامل اخذت تلوح في الافق بعد ان تفجرت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م ،حيث تفتحت الابواب واسعة امام الجماهير العراقية الراغبة في التغيير الجذري في جميع جوانب الحياة ،بمافيها الاجتماعية والثقافية.علما ان هذا الانتعاش في الحركة الفكرية والثقافية العراقية لم يدم طويلا،بل اخذ يعاني من التراجع الواضح بعد انتكاسة ثورة 14/تموز/1958م في 8/شباط/1963م وسيطرة الانقلابيين على مقاليد الامور في البلاد.
ولكن الذي زاد الطين بِلّة بعد هذا التاريخ،السياسة الشمولية التي جاءت بها حركة 17 ـ 30/تموز/1968م الانقلابية،حيث اصبحت سياسة الدولة وحزبها القائد (البعث)تتميز بكم الافواه،وخنق الرأي الحر،والتضييق على حرية التعبير،لقمع اية معارضة محتملة،آنية او مستقبلية.
ولعلني لا ابالغ،اذا ماقلت بان خطورة هذه السياسة كانت تكمن في اصرار السلطة الدكتاتورية عليها وبشكل تعسفي حتى انهيارها في 9/4/2003م ،الامر الذي فرض على المجالس الثقافية ان تاخذ على عاتقها مهمة التصدي للوضع الشاذ الذي فرضته السلطة الانقلابية،بحيث اصبحت مع هذه المهمة،تؤدي دورا مهما ورياديا،كونها كانت تعد الوسيلة الوحيدة التي يلتقي من خلالها المثقفون والمتعلمون ببعضهم ليطلعوا على ما يدور من حولهم،من جهة،ويتواصلوا مع الحركة العلمية والادبية والثقافية العالمية ،من جهة اخرى،فينهلوا من معينها قدر المستطاع،وذلك من اجل تقويض الممنوعات،والحد من تاثير الحواجز التي اوجدتها الدكتاتورية وسياستها الشمولية،التي تميزت كما اسلفنا بالكبت والحرمان وكم الافواه وعدم القبول بالاخر ، مهما كانت الافكار التي ينادي بها ويعمل من اجلها.
وبناءً على ما تقدم ـ وحتى تتوفر اسباب النجاح،للمشروع الحضاري العراقي ـ كان الاصرار من قبل المثقفين على ارتياد مثل هذه المجالس بالرغم من كل الضغوط التي كانت تمارس بحقهم،والرقابة الشديدة التي كان النظام المنهار يتبعها،عن طريق بث العيون والجواسيس،الذين كانوا لايترددون ولو للحظة واحدة عن التدخل في الصغيرة والكبيرة،من اجل توجيه المجالس الثقافية وتوظيف غاياتها النبيلة لخدمة سياستها الشمولية المقيتة،التي كان من تداعياتها ذلك الفراغ الفكري والاحباط السياسي الذي كان المواطن العراقي وما زال يعاني منه الكثير،بالرغم من مرور عدة سنوات على انهيار الدكتاتورية.
وجدير بالاشارة هنا،الدور الوطني الذي تبنته المجالس الثقافية بعد التاسع من نيسان عام 2003م،وذلك من خلال تصديها لنشر المفاهيم الوطنية وترسيخها،التي نعتقد جازمين،بان شعبنا اليوم،احوج ما يكون اليها،اكثر من اي وقت مضى،للوقوف بوجه الموجة العارمة التي تدعو الى الطائفية المقيتة والقومية المتعصبة والمناطقية المنغلقة،التي يُخاف منها على وحدة العراق ارضا وشعبا وسيادة،نهايك عن الاهداف النبيلة التي قامت من اجلها اصلا،والمتمثلة بنشر العلم والمعرفة والادب والثقافة والفنون الاصيلة الاخرى،التي تُعد بحق من اهم جسور التواصل بين الشعوب والامم.
ونحن نعتقد ان الاهتمام الرسمي والشعبي بالمجالس الثقافية،يعد واجبا وطنيا واخلاقيا،لانها كانت وما زالت تمثل بمجموعها،المدارس التي تعلم ويتعلم فيها الكثير من الرواد (ومنهم كاتب السطور)،كيف يستمعون؟وكيف يناقشون؟وكيف يكتبون؟واذا ببعضهم اليوم يمثلون اعمدة لايستهان بها في الوسط الثقافي العراقي، الذي ظل ينهل من آثارهم الادبية والفكرية،وسيبقى كذلك، كونها تمثل المعين الذي لاينضب امام طالبي العلم والمعرفة
وبالاجمال،يمكن القول:ان الوضع الذي يمر به العراق اليوم ،والذي يعد من تداعيات الاحتلال البغيض،يفرض على الجميع(شعبا وحكومة)الالتفاف حول المجالس الثقافية ومساعدتها على اداء رسالتها الوطنية من خلال توفير ما تحتاجه من اسباب ،تساعدها على ذلك.
الى هنا،نكتفي بما قدمناه من حديث،للتعريف بالمجالس الثقافية ود\ورها المهم في المجتمع ،للنتقل وبشكل مباشر الى الحديث عن الضروف التي ساعدتنا على انجاز هذا المطبوع الذي ظل بدون عنوان،الى ان عرضنا فكرة اصداره على استاذنا وصديقنا العزيز أ.د حميد مجيد هدو الذي تفضل مشكورا باختيار عنوانه الحالي الموسوم:(ابحاث في التراث العربي الاسلامي)لما له من علاقة واضحة بالبحوث العشرة التي تضمنها الكتاب،والتي توزعت على بابين:
الباب الاول يحمل عنوانا هو:في التراث العربي،وتضمن البحوث الاتية:
ـ عين بغداد..الكاظمية المقدسة..تاريخٌ مشرق
ـ بغداد السلام في ذكرى تاسيسها
ـ بنو ربيعة..رجال ومواقف
ـ التوأمان..العنصرية والحركة الصهيونية   
اما الباب الثاني فيحمل عنوانا هو:في التراث الاسلامي،وتضمن البحوث الاتية:
ـ الاعجاز القرآني واثره على موقف العرب من القرآن الكريم
ـ قراءة في كتاب الختيزي...ابو طالب مؤمن قريش...دراسة وتحليل
ـ شذرات من السيرة العلوية
ـ الامام الحسن الزكي "ع"...نفحات من السيرة العطرة
ـ الحرية في الحضارة الاسلامية...مفهوما وتطبيقا
ـ مقاربات موضوعية بين الاسلام والديمقراطية      
وهذه الابحاث العشرة،يضاف لها ثمانية ابحاث اخرى،تناولت التاريخ السياسي للعراق الحديث،تمثل بمجموعها المحاضرات التي القيتها في مجالس بغداد الثقافية خلال عقد من الزمان تقريبا(2001 ـ 2011م)،والى جانب هذه وتلك،كانت لي اربعة اصدارات،الاول منها:تناول ابحث في نسب وتاريخ ومواقف قبيلة بني عارض الشمرية الطائية(التي يشرفني الاتنساب اليها)منذ نزوحها من منطقة العارض(احدى مناطق صحراء نجد في الجزيرة العربية)وحتى استقرارها في منطقة طحربة(من اعمال لواء الديوانية سابقا)اواسط القرن السابع عشر الميلادي،ضمن هجرة قبيلة شمر الكبرى.
بينما تناولت الثلاثة الاخر:البحث في التاريخ السياسي للعراق الحديث(اي منذ الاحتلال البريطاني الذي بدات طلائعه باحتلال شبه جزيرة الفاو عام 1914م وحتى الاحتلال الامريكي عام 2003م)وما افرزه من تداعيات خطيرة على المجتمع العراقي وكيانه السياسي الحديث،الذي تاسس عام 1921م.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد،الدور الكبير والبناء لمجالس بغداد الثقافية،التي لولاها لنا تمكنت من انجاز ولو جزء يسير من الاعمال التي ذكرت في اعلاه.
عليه،ومن باب العرفان بالجميل،لابد لي ان اقول(وبكل فخرا واعتزاز) باني سوف ابقى مدينا ما حييت لهذه المجالس الموقرة،ولروادها الكرام ، من العلماء والادباء والشعراء والكتاب والفنانين والاعلاميين وغيرهم الكثير من جهبذة العلم المعرفة ،الذي كان لهم الاثر الكبير في سقل وتنظيم وتوجيه ما قرأته في الكتب، فضلا عن المهارات والمعارف الاخرى التي اكتسبتها من خلال المشاركة في الحوارات التي كانت تجري بعد الفراغ من كل محاضرة في هذا المجلس او ذاك،والتي قد تغني المستمع الراغب في التعلم(في بحض الاحايين)عن قراءة كتاب او اكثر،وهذا يعني فيما يعنيه،توفي الجهد والوقت والمال الذي قد لايستطيع البعض من رواد المجالس توفيره لظروف خاصة .
ونحن اذ نتحدث عن العرفان بالجميل،وحتى ياخذ هذا الموضوع مداه الحقيقي،لابد من الاشارة الى الدور المميز لشخصين اثنين،هما:
ـ شيخ بغداد أ.د حسي علي محفوظ (طيب الله ثراه).
ـ الاستاذ محمد بن الشيخ عيسى الخاقاني،منسق جلسات مجلس الخاقاني الثقافي.
فالشيخ الجليل،وبعد ان خصّ كتابي الاول بمقدمة معتبرة تصدرت صفحاته الاُّوَل،توطدت بمرور الزمن علاقتي به،فكنت الجأ اليه في كل معضلة تواجهني،حيث وجد فيه الاب العطوف والصدر الرحب والاستاذ الملتزم الذي لايتاخر ولو للحظة واحدة عن الاجابة عن جميع الاسئلة التي كنت اطرحها عليه(وهو جليس داره)مرة بعد مرة،وبالتكرار الممل.
اما الاستاذ محمد الخاقاني الذي لم ولن انسى فضله،فلقد كان معي،كما كان مع غيري كريما غاية الكرم،وذلك من خلال الروح العالية التي وجدتها بين جنبيه،والتي تميزت عن غيرها باستعدادها الدائم لاحتضان الطاقات الشابة التي تحاول الافادة من الموضوعات التي تطرح في المجالس الثقافية،الامر الذي شجعني على تقديم طلب الى ادارة المجلس ،يتضمن السماح لي بالقاء محاضرة من على منبره.
وما هي الا ايام،حتى جاء الرد بالايجاب ،فكانت المحاضرة الاولة والثانية والثالثة،من ثم الرابعة التي القيتها يوم 10/شباط/2003م  بغياب الاستاذ محمد الخاقاني،الذي كان قد سافر وبشكل مفاجئ الى دولة الامارات العربية المتحدة.    واكاد اعتقد ان سفره المفاجئ كان مرتبطا بالوضع الحرج الذي كان العراق يمر به بسبب الهجمة الاستعمارية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية ضده بحجة البحث عن اسلحة الدمار الشامل من جهة.ولاسقاط النظام القائم وتخليص الشعب العراقي من ظلم وتعسف السلطة الدكتاتورية من جهة اخرى.
لم تستمر جلسات المجلس على حالها بسبب الظروف الطارئة التي احاطت بالعراق وقتئذ.فبعد ان شارف منهاج شهر شباط/2003م على النهاية،بدات الادارة التحضير لمنهاج الشهر الذي يليه(اذار/2003)الذي لم تنفذ منه سوى جلستين على ما اتذكر،كانت احداهما للشاعر الاستاذ داود الرحماني.في حين كانت الجلسة الثانية،مجرد حضور بعض الرواد ليس الا.ولان المجلس توقف عن الانعقاد فيما بعد،اصبحت هذه الجلسة بحكم الاخيرة،لان القوات الامريكية والقوات البريطانية المتحالفة معها،كانت قد بدات عدوانها الغادر على العراق فجر يوم 20/3/2003م،زما هي الا ايام (21يوما)حتى انهارت الدكتاتورية(يوم 9/4/2003م)ليصبح العراق بلدا محتلا بموجب الوضع الجديد الذي تكرس رسميا بموجب قرار مجلس الامن ذي الرقم 1483 في 22/5/2003م.
وبما ان الاحتلال لايُبقي ولايذر، تدهورت الحياة العامة في البلد ايما تدهور،كان من تداعياته تفكك دوائر ومؤسساة الدولة بعد ان سبقتها الى ذلك الاجهزة الامنية المسؤولة عن توفير الحماية لها،ولباقي مؤسسات المجتمع المدني،ومنها بالطبع مجالس بغداد الثقافية التي توقفت عن اداء رسالتها العلمية والادبية لفترة ليست بالقصيرة،الى ان حل يوم 7/7/2007م،حيث انعقدت الجلسة الاولى لمجلس المحامي رؤوف الصفار الثقافي/الكتظمية،اعقبته مكتبة الجوادين العامة/الكاظمية، التي عاودت نشاطها الثقافي هي الاخرى يوم 6/12/2007م،تلاها بعد ذلك مجلس الخاقاني الثقافي الذي عقد اول جلسة له في خريف العام 2008م،برعاية شيخ بغداد أ.د حسين علي محفوظ،في ديوان الحاج عبدود الجواهري/الكاظمية.
والجدير ذكره في هذا الصدد ،عدم توقف مجلس الربيعي الادبي/الكرادة عن عقد جلساته بالرغم من كل الظروف الصعبة التي عانت منها جميع المدن العراقية،بما فيها العاصمة بغداد.
اما جمعية النهوض الفكري/الكاظمية،فلقد كانت السباقة في هذا المجال،كونها باشرت عملها منتصف العام 2003م ،ولكنها لم تستمر في العطاء،بعد ان حاصرتها الظروف الطارئة،كما اسلفنا،لاسيما بعد ان تعرض رئيسها سماحة الشيخ حسين الحارثي(رحمه الله)للاغتيال ابان موجة العنف الطائفي التي اجتاحت البلاد وقتئذ
لم تستمر جمعية النهوض الفكري/ الكاظمية في التوقف عن العمل،اذ عاودت نشاطها من جديد في العام 2007م مع شقيقاتها الاخريات من مجالس بغداد الثقافية،التي وصل عدد العامل منها،الى ما يقارب الـ (24) مجلسا،انضوت معظمها تحت خيمة رابطة المجالس الثقافية البغدادية،التي تاسس منذ عامين تقريبا.
ندعو الله مخلصين ان يسدد خطى العاملين عليها،لاسيما رئيسها الاديب الاستاذ صادق الحاج جلسم الربيعي،لما فيه خير الوطن والامة،انه على ما يشاء قدير، والعاقبة للمتقين،وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين،وصحبه المنتجبين،ومن اتبعهم باحسان الى يوم الدين.
             
                                                الباحث/محسن جبار العـارضي
                                                1/شــــــوال/1430هـ
                                                المـــٍوافق 31/اب/2011م



الكتاب كاملاً بصيغة ملف pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق