الجمعة، 18 أبريل 2014

نوري باشا السعيد! بين الموالين والمناوئين والواقع التاريخي



نوري باشا السعيد!
بين الموالين والمناوئين والواقع التاريخي

دراسة تاريخية تبحث في سياسة الباشا من منظور وطني
                              


الباحث في التاريخ
محسن جبار العارضي

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الاولى بغداد
1435هـ -2014م


 تمهيد:
لم تكن فسحة الحرية التي شعر بها المواطن العراقي بعد انهيار الدكتاتورية  في 9\4\2003م ايجابية بكل معنى الكلمة،لانها فتحت الابواب على مصراعيها امام الذين يتعاطون الكتابة ،لاسيما الذين يبحثون في التاريخ السياسي للعراق الحديث والشخوص التي اثرت فيه،بشكل او بآخر،بصرف النظر عن خلفية هذه الشخوص وهل هي وطنية منحازة الى جانب الجماهير الشعبية التي كانت وما زالت تعاني من التأثيرات السلبية للفقر والجهل والمرض أم كانت مرتبطة بالاجنبي(المحتل)تأتمر بأوامره وتحرص أشد الحرص على رعاية مصالحه بحجة أنها من انصار المدرسة الواقعية .
ولكن الغريب في الامر الموقف المعلن لانصار المدرسة الواقعية ،فهؤلاء المدافعين عن الواقعية السياسة، وعند احتدام الصراع بين المصالح الوطنية من جهة والمصالح الاجنبية من جهة اخرى ،وايهما تتقدم على الاخرى في مثل تلك الحالات ،يتباروْن في الدفاع عن مصالح الاجنبي بحجة عدم قدرة العراق على مسك زمام الامور ... لابل عدم قدرته على تحمل مسؤوليته كدولة مستقلة.
وهذا يعني فيما يعنيه ،انه بحاجة الى خدمات تلك الدولة القوية ،الامر الذي يفرض عليه رعاية مصالحها والدفاع عنها وكأنها مصلحة وطنية صرفة.
الى هنا،نكتفي بما ذكرنا،ولكننا نقولها وبمرارة ،  ياليت الامر توقف عند هذا الحد . فدعاة المدرسة الواقعية في السياسة يذهبون ابعد من ذلك،عندما يتحدثون عن وجوب تحالف العراق مع هذه الدولة القوية او تلك ،لا لشيء،الا لكون العراق من وجهة نظرهم بحاجة الى مثل هذا التحالف الذي من شأنه توفير الحماية للبلاد من اي عدوان خارجي .
وحتى نكون اكثر دقـــــة في ما نذهب اليه ، نقول : ان المقصود بهذه الدولة او تلك ،هي بريطانيا بعد (الاحتلال البريطاني للعراق في 11\3\1917،وامريكا بعد الاحتلال الامريكي للعراق في 9\4\2003م) ولكن اللافـــــت للانتباه من جهة ،والمثير للتساؤول من جهة اخرى ،ان يتحرك بعض الكتّاب العراقيون (وفي مثل ظروف العراق الذي لايزال يعاني من تداعيات الاحتلال الامريكي في 9\4\2003م)ويطلقوا العنان لاقلامهم للكتابة عن رموز الحكم الأهلي (1921 – 1958)وبعضهم لمّا يزل يعاني من التاثيرات القومية والطائفية والمذهبية والدينية وحتى المناطقية في بعض الأحايين(«).
الامر الذي يجعلهم غير منصفين ،لا بل منحازين وبوضوح الى هذا الطرف على حساب الطرف الاخر.فمــــــرة يطـــــــالبون برد الاعتبار الى رموز الحــــــكم الأهلي (««)، ومرة ثانية يطالبون بمحاكمة الزعيم عبد الكريم قاسم ،لانه وبحسب رأيهم أطاح بالملكية (النظام الدستوري المستقر)واقام الجمهورية (التي جلبت الويلات والفوضى والدمار والخراب للعراق)(«) ومرة ثالثة يحاولون اعطاء صورة البطل المنقذ لنوري السعيد ،بحيث يسهبون في وصف الانجازات التي قدمها والتي يقولون عنها ،بان العراق لايزال ينتفع من وجودها .ومرة رابعة (وهنا مكمن الخطر) يقولون بان نزاهة نوري السعيد لا تقل باي حال من الاحوال عن نزاهة عبد الكريم قاسم .لا بل يذهبون ابعد من ذلك ،عندما يمنحون نوري السعيد لقب الشهيد.
ونحن نعتقد ان الاصرار على هذا الطرح ، لاسيما منح الباشا لقب الشهيد انما هو طعن في شرعية ثورة 14\تموز\1958م،التي خطط لها ونفــــــــــذها الزعيم عبد الكريم قاسم من جهة،وتفريغها من محتواها واظهارها للشعب العراقي، وكأنها مجرد  انقلاب عسكري من جهة اخرى.
وجدير بالذكر في هذا الصدد ، رأي الدكتور عزيز الحاج علي حيدر اغا (سكرتير القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي سابقا )الذي ورد في مقال كان قد نشره  في ذكرى الثورة عام 2009م ، متضمناً الملاحظات التالية :
(رغم مرور عقود خمسة ، فان ثورة 14 تموز العراقية ، وشخصية زعيمها ، لاتزالان موضع تجاذب في الآراء والاجتهادات ،عراقياً وعربياً بوجه خاص ، وهناك من يذهبون في الشطط وعدم الموضوعية لحد ان ينسبوا للثورة كل الكوارث والانتهاكات ، ونزعات العنف التي تفجرت بعد اغتيالها!
وهؤلاء وآخرون يبالغون في ايجابيات العهد الملكي وكأنه مثالياً.
اجل ، لم يكن العهد الملكي سيئاً في كل فتراته ، فقد شاهدنا محطات مضيئة خلاله ، كالتعايش الودي داخل المجتمع بين القوميات والطوائف  والاديان ، والحرص على المصالح الوطنية (التي كانت تعد من أولويات  الملك فيصل الاول منذ تسنمه مقاليد الامور في العراق يوم 23/ اب/ 1921م وحتى وفاته في ظروف غامضة في سويسرا يوم 7/ايلول 1933م ) فضلاً عن توفر الخدمات والامن ، وفترات انفتاح  للحريات (ولو بالحد الادنى) لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية (1939م-1945م) والفترة الممتدة من منتصف العام 1954م الى منتصف العام 1955م.
وكانت هناك صحافة تنتقد رغم المطاردات القانونية ، والبرلمان ، الذي كانت  انتخاباته مزيفة ، كانت ترتفع على منابره أصوات وطنية جريئة يكون لها صداها بين المواطنين .
كما كان في البرلمان ممثلون للاقليات المسيحية واليهودية ، من دون أن  يثير ذلك أية حساسية في المجتمع. هذا كله صحيح ، ويمكن الاستناد اليه للحكم بأن تلك الاوضاع  كانت أفضل عشرات المرات من الوضع العراقي الحالي ، غيراننا نعرف انه ، بجانب تلك الايجابيات النسبية ، كانت جماهير الفلاحين  تئن تحت نهب وسياط كبار الاقطاعيين وملاكي الارض ، وكان الفقر ومعاناة العيش منتشريْن، وشركات النفط تنهب دون قيود، والسجون والمعتقلات تطارد القوى والعناصر الوطنية . وكان ثمة تعذيب للشيوعيين واســـــقاط للجنسية عن عدد منهم ،وكان التمييز المذهبي واضحاً في التعيين لكبريات المناصب الامنية والعسكرية ، والقومية الكردية محرومة من حقوق كثيرة وتتعرض للقمع من وقت لآخر، وتهمة التبعية (أي لايران) كانت تلاحق الفيلية ، وغير ذلك من المثالب التي لاتعد  ولا تحصى.
اليوم وبعد العقود التي مرت منذ 14 تموز فإن اكثرية الآراء العراقية قد استقرت على ان الثورة العسكرية كانت محتمة منذ منتصف الخمسينات (المقصود: خمسينات القرن العشرين) ، أي حين فرضت مراسيم استبدادية ، وطوردت الأحزاب والصحف ، واغلقت الجمعيات وجرت حملة اعتــقالات واسعة للوطنيين من مختلف الانتماءات السياسية والفكرية .
بمعنى آخر لقد تم غلق أي منفذ جدي للانتقال سلمياً نحو التغيير الثوري ، ولتعديل الاوضاع جذرياً بخطوات اصلاحية جريئة ومتتابعة، ولو امكن ذلك ، أي تجنب  التغيير بالعنف المسلح ، لكانت النتائج افضل جداً للعراق وشعبه ، ولكن ذلك الخيار لم يكن عملياً مع الاسف ، وقد استقرت الآراء العراقية ايضاً، ونقصد التقييم الغالب بين القوى الوطنية العراقية ، على ان الزعيم عبد الكريم قاسم كان اكثرمن حكموا العراق شعبية ووطنية  ، وقد زرعت محبته في قلوب العراقيين ، وذلك لان محبة الشعب ومصلحة الوطن ، كانتا مغروستين في عمق اعماقه ، وتتشربان خلاياه ، ومسالك دمه ، وعبد الكريم ايضاًعفيف اليد وذا نزاهة مطلقة ، نفتقد اليوم جزءاً صغيراً منها حيث يسود النهب والفساد!
لقد عمل قائد الثورة الكثير لصالح الشعب ، وبالاخص للطبقات الفقيرة ، فهوالذي شيد لسكان الصرائف القادمين من الريف الى مدينة بغداد، مدينة سماها "مدينة الثورة"
وعبد الكريم قاسم هو الذي سن  قانون الاصلاح الزراعي "رقم 30 لسنة 1958م" رغم ان تطبيقه كان يتشوه بفعل الدوائر الإدارية الموروثة ، وهو الذي استرجع من شركات النفط حقوقاً اساسية(«)، ولو لم يتعرض لضغوط ومزايدات  اليسار والديمقراطيين ، لاستطاع التوصل مع شركات النفط لاتفاق تفاهمي افضل يجنب البلاد الاجراءات التعسفية التي اتخذتها شركات النفط فيما بعد انتقاماً ، والتي اضرت بمواردنا  النفطية والاقتصاد العراقي .
وثورة 14 تموز هي التي شيدت اول جامعة عراقية وعيَّن عبد الكريم قاسم لرئاستها عالماً قديراً معترفاً به دولياً هو المرحوم عبد الجبار عبد الله، وكان من الاخوة الصابئة المندائيين، وان تعيينه كان دليلاً على مدى عدم تحيز الزعيم ، مثلما لم يكن متحيزاً مذهبياً او عرقياً ، وكان هذا التسامح الاصيل في مقدمة مزاياه وخصاله وفضائله.
ان هذ النظرة العراقية السمحة لكل العراقيين كأبناء وطن واحد ،تجمعهم الخيمة المشتركة ، تبدو لنا اليوم  بكل مآثرها حين نقارن بين ما كان وماهو كائن اليوم ، من اضطهاد للاقليات الدينية ، وغلبة الطائفية والفئوية ، وتراجع الولاء الوطني  لصالح الولاءات الفرعية.
وعبد الكريم قاسم وبشهادات  الاكثرية، لم يكن دموياً وان اقام حكماً فردياً ، وكان مجرداً من النزعة الانتقامية ، بحيث عفا عن المــــــتآمرين على حياته، ومنهم عبد السلام عارف ، وقد كان ميالاً لعدم تنفيذ احكام الاعدام الاخرى لولا ضغط المحيطين به وتظاهرات الشارع اليساري الهائجة تحت شعار " اعدم والشعب والجيش معك" فضلاً عن الضغط الذي كانت تمثله اذاعة صوت العرب في هذا الخصوص.
 وعبد الكريم قاسم هو الذي استوزر اول امرأة ولم يحدث ذلك من قبل على نطاق العالم العربي كله ، وهو الذي اصدر قانونه الجرئ للاحوال الشخصية  رقم 188عام 1959م.
لم يكن عبد الكريم قاسم  زعيماً مثالياً ولا قائداً معصوماً، فقد اقتــرف اخطاء مهمة ، كإثارة موضوع الكويت في مسايرة لدعوات الملك غازي وحتى نوري السعيد، ولم يقم بتطهير الجهاز الاداري وانجرَّ وراء تأليه الجماهير له كزعيم أوحد ، مما زاد من اعتداده بقراراته .
وخلافاً لادعاءات القوميين عهد ذاك ، فإن الراحل قدم الكثير لنصرة الثورة   الجزائرية ، وللشعب الفلسطيني ، وهولم يكن ،كما ادعوْا ،عدواً للوحدة العربية، وانما كان رجلاً واقعياً ، يرفض الوحدة الاندماجية  التي أرادها الناصريون والبعثيون  ، وهي الدعوة التي فجرت التناحرات الحزبية الضيقة ، واشعلت صراعات اربكت الثورة وزعزعتها ، وشكلت ضغوطاً هــــائلة على خطوات عبد الكريم قاسم ، واحبطت قراره بصياغة دستور دائم  والانتقال  لعهد ديمقراطي .
ان تلك الصراعات  قد  تركت آثارها المؤذية  على التطور  العراقي اللاحق . لقد اغتيلت  الثورة بفعل التآمر الناصري -البعثي- النفطي-الغربي- الايراني، وبسبب الدمار السياسي الذي خلفته الصراعات الحزبية ، ورَفْعِ الاكراد السلاح ضد الحكومة الوطنية.
ان عبد الكريم قاسم كان ولايزال ، وبرغم كل شيء ، الاكثر شعبية في تاريخ العراق الحديث، وفي الظروف العراقية القائــمة اليوم ، والتي لاتبعث على التفاؤل ، يصُحُّ ان نكرر عالياً : "اين انت ؟ ليتك معنا!" .
نعم عبدالكريم قاسم لم يكن كاملاً ، وله عيوبه واخطاؤه و تخبط بعض مواقفه، ولكنه ، كان الزعيم الاكثر شعبية وقرباً من الشعب والانقى اخلاصاً له، وكان مع محمد حديد ، الاكثر واقعية سياسياً بالنسبة لمجموع القوى السياسية حينئذ، ساعياً للاعتدال والمرونة جهد الامكان في خضم عواصف الصراعات والمصادمات ونوازع العنف والانتقام. وقد حاربته قوى خارجية وداخلية ، وانقضّت عليه احزاب كانت "قبلئذ جزء من الثورة " . زعيم الثورة أراد بناء وطن العدالة والمساواة للجميع ، واستهدف التحاق العراق بقائمة الدول المتقدمة .وقد سار اشواطاً في الطريق ، ولكن عدم نضج  القوى السياسية  الاخرى ، وشراسة الاعداء حالا بينه وبين تحقيق  كل ما أراد ، ولم ينل من كل ما فعله لشعبنا غير عملية اغتيال يندى لها جبين الانسانية "في النص :خسيسة وجبانة" امام عدسات التلفزيون .
وقد بخل قاتلوه عليه  بقبر يأوي جثمانه الطاهر ، فألقوْا به الى نهر الاحزان والدم.
راح بعيداً عن شعبه ، وفشلوا في محو اسمه من القلوب او ايجاد ولو قشة واحدة تمكنهم من اتهامه بسرقة دينار واحد من اموال الشعب أو السطو على قصر كما فعل الآخرون.وقد شاء التاريخ والحق ان يعود حتى بعض من حاربوه وتآمروا عليه الى انصافه ، وتمجيد خصاله ومآثره.)

أخيراً، نقول : لعله من المفيد جداً ان نوضح للقارئ الكريم الاسباب التي دفعتنا للكتابة عن الباشا، فالرجل كما هو معروف ، ترك بصمات  واضحة على هيكلية الدولة العراقية  الحديثة منذ التأسيس وحتى يوم الرابع عشر من تموز 1958م ، حيث كان يجتهد في ذلك . فمرة يخطأ ومرة يصيب،  فهو بشر وسبحان من لايخطأ.
ولكننا نقولها وبصراحة ، اننا ولما وجدنا الكثير من الاصدرات التي تُعنى بتراث  الرجل تبالغ في ما تطرح ،توكلنا على الباري جل في علاه ، وباشرنا  بكتابة هذا البحث المتواضع ،الموسوم (نوري باشا السعيد ... بين الموالين والمناوئين والواقع التاريخي) وحاولنا من خلال المحاور التي تضمنتها الدراسة ان نشير الى كل امر ذي صلة بالموضوع مسلطين الاضواء عليه ... ولكن هذه المرة من منظور وطني.
وعود على  بدء ، وحتى لانحيد عن المنهجية المطلوبة في كتابة البحث التاريخي من جهة ، وحتى تكون عملية توزيع الموضوعات التي احتوتها الدراسة منسمجة مع الحقبة الزمنية التي امضاها الباشا في العراق ((حاكماً اوحداً)) وهويــــمارس نشاطاته السياسية ، من جهة اخرى. أرتأينا ان تكون الموضوعات التي احتوتها الدراسة ،موضوع البحث ،موزعة على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة،وبحسب الترتيب الاتي :
Ÿالمقدمة
1-الفصل الاول : ملامح شخصية الباشا.
2-الفصل الثاني : وجهة نظر الباشا بالاحداث التي عاصرها.
3-الفصل الثالث : الوزارات العراقية التي ترأسها، والمراسم التي اقرتها ،
           والمعاهدات والاحلاف التي وقعت عليها  .                
4-الفصل الرابع :الصراع مع عبد الناصر.
5-الفصل الخامس : مواقف واحداث .
                       وتناول بالبحث ثلاثة موضوعات غاية في الاهمية ، وهي:
-الاول: قالوا في الباشا .
-الثاني: ما قاله الــباشا .    
-الثالث :من هنا وهناك.
Ÿالخاتمة


26 /رجب/1433هـ                                                الباحث في التاريخ
17/حزيران/2012م                                             محسن جبار العارضي




                                                           الكتاب كاملاً بصيغة ملف pdf 


--------------------------------------------------------------------------------------



بنو عارض نسب وتأريخ ومواقف


بنو عارض
نسب وتأريخ ومواقف



الباحث محسن جبار العارضي
الكاتب في تأريخ ونسب قبيلة بني عارض في العراق

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة  
بغداد 1433هـ -2012م


المقدمة

كانت القبيلة وما تزال تمثل الحجر الاساس في عملية تنظيم العلائق الاجتماعية بين افراد المجتمع العراقي لانها ادت دورا مهما في تاريخه القديم والحديث. فقد شاركت في جميع المعارك التي انتهت بطرد الغزاة الاجانب من العراق وضمه الى كيان الدولة العربية الاسلامية الفتية وكانت القبيلة تمثل الغالبية من سكان مدن العراق الجديدة آنذاك كالبصرة والكوفة. علما ان عروبة العراق قد ترسخت وبشكل حاسم عبر الهجرات العربية المتعددة التي سبقت الدعوة الاسلامية بآلاف السنين. ولم ينقطع ذلك الانتقال حتى في عهود الدولة العربية الاسلامية. ولهذا اخذ دور القبيلة يتعاظم في العراق مع مرور الزمن . ولكن وبعد ان توطدت اركان الدولة ابان الفترة العباسية تراجع دور القبيلة بعد ان تقدمت عليه اخبار المدن وحضاراتها بل وتغلبت عليه ولذلك لم تذكر اخبار القبائل في حينها الا قليلا، وقد استمر الوضع كما هو حتى العصور العباسية المتأخرة حيث تدهورت سلطة الدولة واخذت القيادات العسكرية تلجأ الى الاستعانة بزعماء القبائل على الاخطار التي كانت تواجه الدولة فعاد دور القبيلة من جديد.
وقد ازداد هذا الدور بعد سقوط بغداد عام 656 هـ-1258م وخصوصا بعد ان قاومت بعض القبائل قوات الاحتلال وقد نجحت فعلا في طرد المحتلين المغول من مناطق عديدة وحصر نفوذهم على المدن الكبرى فقط فتعاظم دور القبائل وزاد نفوذها واتسعت دائرة المناطق التي تسيطر عليها.
وقد اصبح هذا الدور اكثر وضوحا ايام العثمانيين لان القبيلة كانت تؤلف قوة عسكرية فعالة خارج نطاق السلطة الرسمية مما اضطر الولاة العثمانيين الى زيادة اعتمادهم على قدراتها العسكرية في اعمالهم المختلفة بالرغم من قيام بعض القبائل بالانتفاضات المسلحة خلال تلك الفترة لمقاومة النزعة التسلطية عند هؤلاء الولاة ورغبتهم المستمرة في تفتيت القبائل والحد من سيطرتها وتقليص نفوذها كلما توفرت لهم الفرص لتحقيق ذلك. وفي القرن التاسع عشر وبعد ان مارس بعض الولاة العثمانيين وابرزهم مدحت باشا سياسة تشجيع القبائل على الاستقرار والاشتغال بالزراعة والسكن بالقرب من المدن وحواليها لتكون اكثر انقياداً لسلطة الدولة في مركز الولاية بغداد. شهدت تلك الفترة اهتماما متزايداً من قبل المؤرخين العراقيين بتاريخ القبيلة فبحثوا في انسابها وتاريخها ومواطنها القديمة والحديثة. وفي القرن العشرين كتب الكثير من المؤرخين عن القبيلة وكان ابرزهم الاستاذ عباس العزاوي صاحب موسوعة القبائل العراقية العربية والكردية ما بين عامي 1937 - 1956م التي كانت وما تزال مرجعا هاما للباحثين في هذا المجال.
وفي العقد الاخير من القرن العشرين برز من جديد الاهتمام بتاريخ القبائل وتسجيل اخبارها وصدرت اعداداً من الكتب بالرغم من ظروف الحصار التي يعاني منها قطرنا تبحث في تاريخ القبائل من حيث تكوينها وامتداداتها وتفرعاتها ومواطنها وتترجم لابرز اعلامها وعلى الرغم من التفاوت في درجة الاحاطة بالموضوع والدقة في تناوله فان هذه الكتب قدمت الكثير من المعلومات المهمة عن جوانب الحياة الاجتماعية في العهود السابقة.
ولما كان الاختصاص بقبيلة معينة يؤدي دوراً في البحث عن الحقيقة وتوثيقها للاجيال القادمة لانه يجعل من جهد المؤلف والباحث منصباً في موضوع محدد يساعده في الوصول الى الهدف الذي يعمل من اجله.
توكلت على الخالق سبحانه وتعالى وتصديت للكتابة عن قبيلة بني عارض احدى اهم قبائل الفرات الاوسط لا سيما ان اسمها اقترن باسم معركة العارضيات الخالدة احدى اهم معارك ثورة العشرين الوطنية ضد الاحتلال البريطاني البغيض.
وقد تضمن البحث ثمانية فصول: الاول يتحدث عن النسب بين الشريعة والتراث من خلال ثلاثة مباحث: الاول يؤشر بعض المواطن التي توضح اهمية النسب في الكتاب والسنة وكتب التشريع الاخرى. اما الثاني فيتحدث عن علم الانساب وعلاقته بتاريخ العرب قبل الاسلام وبعده بينما يوضح المبحث الثالث اهمية النسب عند العرب بعد الاسلام.
واختص الفصل الثاني: بسيرة بني شمر من حيث موطنهم الاصلي وانحدارهم القبلي وذلك من خلال اربعة مباحث: الاول يتحدث عن بلاد نجد من حيث الموقع الجغرافي والتقسيمات الادارية فيها. اما المبحث الثاني فيتحدث عن هجرة القبائل العربية من اليمن قبل الاسلام وهجرات شمر الى الجزيرة الفراتية . بينما يتحدث المبحث الثالث عن قبيلة شمر (نسبها، بطونها، مواطنها) اما المبحث الرابع فمطلبه توضيح ماهية العلاقة بين شمر وبطن آل جعفر لان هذه البطن تعتبر الامتداد القبلي لبني عارض.
اما الفصل الثالث: فيخص بني عارض وموطنهم الاصلي، توزيعهم الجغرافي في العراق، بطونهم، افخاذهم، فصائلهم وذلك من خلال ثلاثة مباحث: الاول يتحدث عن بني عارض بعد استقرارهم في العراق. بينما يتحدث المبحث الثاني عن عشائر بني عارض اما المبحث الثالث فقد تضمن المؤرخة العارضية التي اجملت كل ما يخص بني عارض من  خلال الملحمة الشعرية التي نظمها مشكوراً الشاعر رعد موسى الدخيلي بتاريخ 6/9/1997م.
وابرز الفصل الرابع: الدور الوطني لبني عارض في العراق من خلال ثلاثة مباحث: الاول يتحدث عن بني عارض وثورة العشرين الوطنية بينما يتحدث المبحث الثاني: عن الشعر الشعبي والثورة، ودور المرأة الشاعرة في سير الاحداث آنذاك. اما المبحث الثالث فجاء لتوضيح الموقف العام للعشائر بعد الثورة.
ولكثرة بطون بني عارض خارج منطقة طحربة اصبح من الضروري ان نخصص لها الفصل الخامس: الذي احصى معظم تلك البطون مع اعطاء خصوصية لبطن البو خنجر من خلال اربعة مباحث: الاول يتحدث عن البو خنجر (مَنْ هم ومن اين جاء هذا النبز). اما المبحث الثاني فيتحدث عن عشيرة البو خنجر (نسبها،  موطنها، افخاذها) . بينما يتحدث المبحث الثالث عن كيفية استقرار البو خنجر في الحيرة. اما المبحث الرابع فقد انفرد بالحديث عن اعيان البو خنجر في القرن العشرين.
اما الفصل السادس: فقد انفرد بالحديث عن تحالفات بني عارض في العراق من خلال مبحثين: الاول يتحدث عن تحالف جبشة وعياش والعشائر التي يتكون منها. بينما يتحدث المبحث الثاني عن بني عارض وموطنهم الاصلي (بلاد نجد) مع ذكر تحركاتهم داخل العراق من خلال الحديث عن هجرتهم الاولى من طحربة الى فرات الشنافية.
بينما يتحدث الفصل السابع: عن الزيارات والمقابلات الشخصية من خلال مبحثين: الاول يذكر سلسلة الزيارات والمقابلات الشخصية اعتباراً من العام 1981م . بينما يتحدث المبحث الثاني عن الزيارات الخاصة والتي وصل تعدادها لغاية 31/3/2001م ثمان زيارات.
واخيراً الفصل الثامن: الذي تناول الحديث عن اعلام بني عارض الذين ذكرت وبايجاز سيرة حياتهم موضحاً الاسباب التي جعلتهم كذلك معتمداً التسلسل التاريخي في ترتيب الاسماء..
وبعد كل هذه المواضيع جاءت الخاتمة ثم الشكر والتقدير لكل الاطراف التي مدت لي يد العون والمساعدة المادية والمعنوية خلال الفترة التي قضيتها في البحث والاعداد لهذا العمل.
ولكي يكون العمل على جانب من الدقة تم تدوين اسماء المصادر التي اعتمدناها اثناء الكتابة. واخيراً مجموعة الملاحق التي نعتقد ان وجودها يعتبر من الضرورات التي قد تفيد البحث.
ارجو ان يوفقني الله لما فيه الخير للجميع. كما وارجو قبول اعتذاري عن كل تقصير حدث سهواً .


تموز/ 2000م                                محسن جبار العارضي




 الكتاب كاملاً بصيغة ملف pdf










دراســة في المــأثــور الشـعــبــي




أعضـاء الانسـان في الأمثـال العاميّـة العراقيـة

بعد أن أمست الامثال العامية كثيرة الشيوع والاستعمال على ألسنة الناس، بات من الطبيعي أن نجدها منتشرة بين الأمم والشعوب لما فيها من المواعظ والحكم والأدب والفكاهة والطرب، ناهيك عن تناولها جميع جوانب الحياة ومنها أعضاء جسم الانسان واليك عزيزي القارئ البعض من هذه الأمثال التي تطرقت لتلك الأعضاء:


الرأس:


*  انفخ راسه :   يضرب لمن يكثر حوله الصياح والصدى.
*  براسه صوت :   يضرب لمن يريد أن يقول كلمته.
*  راسه بارد :   يضرب لمرتاح البال.
*  ظل ينگر براسه :   يضرب في ذم من يكثر العتاب الفارغ لصديقه.


الوجه:


*  اخذ غراض وجهه :   يضرب لمن يلطم غيره على وجهه لطمة شديدة.
*  أخذ وجهها :   يضرب لمن يتزوج بكر ويزيل بكارتها.
*  غطي وجهك منه :   يضرب في ذم من يتكلم بكلام بذيء.
*  وجهه صار اصبعين :   يضرب فيمن يصفر وجهه من شدة الخوف.


الشَّعر:


*  اتجرَ الشعر يطلع الدهن :   يضرب للشاة السمينة.
*  شعره من جلد كلب :   يضرب لمن يحصل على هدية من بخيل.


العين:


*  احطه ببطن عيني :   يضرب في الترحيب بشخص عزيز موصى به وذلك كناية عن فرض الرعاية والمداراة.
*  حاط اصبعه بعيونه :   يضرب لمن يخاصم غيره بشدة.
*  خد وعين :   يضرب عن شيء يكون وسطاً.
*  طلعت من عينه :  يضرب لمن احب شيئاً وتركه بعد ذلك.
*  عينك على مالك دوه :   يضرب في الحث على رعاية ماله بنفسه دون غيره.


الأذن:


*  اذن من طين واذن من عجين :   يضرب لمن يتغافل عن كلام شخص معين.
*  الحايط اله اذن :   يضرب لمن يسب شخصاً بمحضر قريب وهو لا يعلم.
*  جرله اذن :   يضرب لمن يعترف بقدرة شخص ومهارته.


الأنف:


*  خشمه عالي :   يضرب للمعجب بنفسه.
*  خشمه يابس :  يضرب في ذم المتكبر.


الشارب واللحية:


*  بهل الشارب :   يضرب لمن يعد شخصاً بتلبية طلبه وتحقيقه.
*  كل شارب واله مگص :   يضرب في تفاوت المنازل والدرجات بين الناس.


الاسنان:


*  حاد اسنونه: يضرب لمن يجزم على تنفيذ أمره.
*  سنونه سنون الفار :   يضرب في صغير الاسنان.


اللسان:


*  السانه طويل :   يضرب للمتحدث الذي لا يراعي قواعد الأدب.
*  عض السانه :   يضرب لمن يتوفى بأي سبب.


اليد:


*  ايده بيد اخوه :   يضرب للمرأة الولود.
*  ايده فارغه :   يضرب لفقير الحال.
*  ايده طويلة :  يضرب في ذم السارق.
*  ايده بالدهن :   يضرب للمنعَّم.
*  ايد وره وايد جدام :   يضرب لفقير الحال.
*  ايده مو اله :   يضرب للمفرط في الكرم.
*  بيده قلم :   يضرب لمن يحسن القراءة والكتابة.


الذراع:


*  اخذها بالذراع :   يضرب عن اغتصاب الشيء بالقوة.
*  بطنها لخشمها :   يضرب للحامل في الشهر التاسع.


القلب:


*  گلبه ابيض :   يضرب لسليم السريرة.
*  گلبه صخر :   يضرب لقليل الرحمة.


الرجلين:


*  املحست الرجلين :   يضرب على المرأة كثيرة التودد لزوجها .
*  رجلها خفيفة :   يضرب على المرأة قليلة الحياء.


الظهر:


*  ظهر ما له :   يضـــــــــــــــرب لمن لا سند له من مال او رجال.


محسن جبار العارضي



المصادر:
1-السامرائي،يونس الشيخ إبراهيم
مجلة(التراث الشعبي) ج5،س1
كانون الثاني/1970،ص62.








كامل الجادرجي يحاور الوصي عبد الاله عن المهام الوطنية الملحة



تحدث كامل الجادرجي خلال مقابلة له مع الوصي على العرش عبد الاله في 1942/11/2 م، عن الكثير من المهمات الوطنية التي تستوجب حلولاً جذرية، كي تستقيم الامور ولاتدخل البلاد مرة ثانية في دوامة الانقلابات العسكرية. واستدرك ليقول : ان الاضطرابات لاتكون مقتصرة على الجيش بل ستجابهنا مشاكل كثيرة بعد الحرب،

منها مشكلة العشائر ونفوذهم الذي سيتعارض مع نفوذ الحكومة، والمشكلة الطائفية، ومشكلة الكرد، وغيرها من المشاكل، عندما تنسحب القواة البريطانية من العراق. (وما أشبه اليوم بالبارحة) وان الحل الوحيد على ما اعتقد، هو أن يترك للناس مزاولة حقوقهم الدستوري وذلك بافساح المجال لتأليف الاحزاب والجمعيات وغيرها، وان فائدة هذه المنظمات السياسية تكمن في توجيه الرأي العام، بحيث لا يتجزأ الجيش معها على القيام بحركات انقلابية خصوصاً عندما يعلم بأن الرأي العام لا يؤيذه.
ولكن بشرط ان لاتكون هذه الاحزاب قائمة على اساس شخصي ولاتستهدف المصلحة العامة،فالسياسة والاتجار على حساب المصلحة العامة لا تجتمعان، فالاشتغال بالسياسة يجب ان يكون منزهاًعن الاغراض والمنافع. ( وهذا التشخيص من قبل الچادرچي يعد نوعاً من جلد الذات كونه كان من منتسي حزب الاخاء الوطني بزعامة ياسين الهاشمي). ولقد اكد الجادرجي في المقابلة على ضرورة التخلص من القضية الطائفية والعنصرية في تمشية امور الدولة ولاسيما السياسية منها ذات الصلة بعملية تأليف الوزارات بحيث تأتي عن طريق الحزبية، وعندما ذاك ليس لاحد ان يعترض على عدد الوزراء الذين يأتون من كل طائفة او عنصر فيجوز ان تؤلف حينئذ وزارة معظم اعضائها من الشيعة مثلاً (اذا كانت على اساس الحزبية) وأردف قائلاً: “إننا لم نكن ضد وزارة معينة من الوزارات او ضد اشخاص معينيين من الذين يتناوبون الكراسي، وأنا شخصياً لا افرق بين نوري السعيد وجميل المدفعي وعلى جودت الايوبي مثلاً وغيرهم من الاشخاص الاخرين وانما اعتقادي بأن سياسة الاشخاص يجب ان تترك وتستبدل بسياسة عامة".
وبخصوص امتيازات النفط التي جاء بها قانون رقم (80 ) الشهير حيث تجلى ذلك من خلال موقف الحزب الوطني الديمقراطي ورئيس السياسي المرحوم كامل الجادرجي، الذي كان يؤكد دوماً على ما يلي :
“ ان الهدف العام الذي يجب ان تنشط في اطاره السياسة النفطية هو تكوين هذا القطاع الوطني للنفط واتخاذه قاعدة لتصنيع البلاد لكي يساعد نموه وتطوره على تحقيق الدعوة الى توازن الاقتصاد العراقي وتحريره من مغية الاتكال على عوائد تصدير النفط الخام، ومن مغبة انفراد الشركات المحتكرة بالقيام بذلك ولكي يمكن البلاد من الانطلاق نحو استخلاص حقوقها النفطية ورفع الغبن والاجحاف اللذين يميزان الامتيازات القائمة وبذلك كله يسهم القطاع النفطي الوطني في بناء القاعدة المادية اللازمة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، وان الطريق الصحيح لذلك هو ان تقوم شركة النفط الوطنية مباشرة ( بالموارد التي تستطيع الحكومة ان تمدها بها ) بأستثمار الحقول الثابت فيها النفط والاراضي التي فيها احتمالات جيدة وهي ثروة وطنية عظيمة يجب ان تبقى للدولة وتستثمر من قبلها وحدها. ان خطط تنمية الاقتصاد الوطني وتطويره من عوامل التخلف والتبعية ومن سمات الاستعمار الجديد لايمكن ان تنسجم بتاتاً مع توسيع قطاع النفط الاجنبي او تقوية قبضته، اذ لايمكن ان يفهم الرأي العام ابداً عوامل تراجع القطاع الحكومي العام امام الاستثمارات الاجنبية الاحتكار في موضوع النفط وتسليمها امتيازات ضخمة تضم اغنى المناطق النفطية في حين ان الاوساط النفطية العربية تدرس شعار تأميم النفط.
وبالاجمال، يمكن القول : ان الحزب الوطني الديمقراطي كان يؤكد دائماً على الحفاظ على المكتسبات الوطنية التي حققها القانون رقم ( 80 ) لسنة 1961م الذي انتزع من الشركات الاحتكارية صاحبة الامتيازات (99.5) بالمائة من الاراضي التي كانت تسيطر عليها، ولم يترك لها الا ما مجموعه (1917 ) كيلومتراً مربعاً فقط، التي تتضمن الحقول المنتجة فعلاً، اما الحقول المكتشفة وغير المنتجة التي تقع ضمن رقعة جغرافية تقدر بـ ( 1900 ) كيلو متر مربع فقد انتزاعها القانون المذكور، بحيث اصبحت من اختصاصات شركة النفط الوطنية التي تم تشريع قانونها 1962م. والجدير ذكره، توقيع الزعيم الوطني الفريق الركن عبد الكريم قاسم قانون شركة النفط الوطنية يوم 8/ اشباط /1963 م بأعتبار رئيس وزراء العراقق انئذ بالرغم من حصار قوات الانقلابيين مبنى وزارة الدفاع لغرض اغتيال الثورة (ثورة 14/ تموز / 1958 م) وقائدها. فكان ذلك اخر توقيع لمؤسس الجمهورية العراقية الخالدة ومفجر ثورتها المباركة ثورة الرابع عشر من تموز / 1958م ( هذا ما ادلى به فيما بعد اللواء الركن احمد صالح العبدي رئيس اركان الجيش والحاكم العسكري العام ابان مرحلة الجمهورية الاولى “ 14/ تموز / 1958 - 8 / شباط / 1963 م “ ).


محسن جبار العارضي



نافذة على التاريخ السياسي للعراق المعاصر


نافذة

على التاريخ السياسي للعراق المعاصر

من الاحتلال البريطاني الى الاحتلال الامريكي

11/3/1917-9/4/2003 م

 


الباحث في التاريخ
محسن جبار العارضي

راجعه وقدم له
الدكتور محمود تركي اللهيبي




المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

لاشك ان الظروف الاستثنائية التي احاطت بالبلاد خلال وبعد العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية في 20/اذار/2003 والتداعيات التي تلت ذلك اعتباراً من سقوط الطاغية في التاسع من نيسان 2003 والتي لازالت مستمرة الى الان. سوف تبقى مستمرة الى ان يتحقق الجلاء لجميع القوات الاجنبية وتنتزع السيادة ليعود العراق كما كان بعد ثورة الرابع عشر من تموز/1958 حراً مستقلاً.
        نعم انها ظروف استثنائية لانها من تداعيات الاحتلال وادت الى تدمير كل ما يرمز الى الدولة ناهيك عن البنى التحتية التي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين اليومية. ولقد استطاع الاحتلال ان يستغل تلك الظروف لمصلحته الخاصة من خلال العمل المتواصل على تعميق النعرات القومية والطائفية والمذهبية التي ترتكز عليها سياسة (فرق تسد) لبعثرة الجهد الوطني وتدمير كل ما من شانه ان يقوي الوحدة الوطنية التي تعتبر شرطاً اساسياً لتحقيق المشروع الوطني، الذي يضع شعار "العراق اولاً" في مقدمة الاهداف التي يناضل من اجل تحقيقها الشعب العراقي وصولاً الى الاستقلال الناجز للعراق الموحد.
        عليه ومن هذا المنطلق كنت ادخل في حوارات مستمرة مع شرائح متعددة من المجتمع العراقي ذات خلفيات متنوعة (ثقافة وسياسة وقومية ودينية وطائفية ومذهبية) لمناقشة الوضع العام الذي يخيم على البلاد لكي اتعرف على مخططات واهداف تلك الشرائح وكذلك وجهة نظرها بالاحداث التي تمر بالبلاد والتي هي نتيجة طبيعية لوجود الاحتلال وتسلطه على مجريات الاحداث من دون ان يعطي ولو هامشاً بسيطاً للمؤسسات التي تشكلت بوجوده ونعني بها مجلس الحكم العراقي ومجلس الوزراء المرتبط به.
        ولا اخفي سراً اذا ما قلت ان تلك الحوارات الساخنة كانت في معظمها تنتهي الى تقاطع الروئ بين المتحاورين بالرغم من ان الجميع يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. لذلك كان بالامكان ان نقول بان العراقيين اختلفوا على الكثير ولكنهم توحدوا على الاهم وهو "العراق اولاً".
الذي اصبح هو النقطة الوحيدة المضيئة في نهاية النفق المظلم الذي ادخلنا فيه الطاغية نتيجة السياسات الطائشة التي اتبعها خلال الـ(35) عاماً من حكمه المنهار. ثم جاء الاحتلال ليزيد من تداعيات تلك السياسة ويجعلها قيوداً حاول ان يكبل بها الشعب العراقي لكي يستطيع ان يمرر الخطط والاهداف التي انما دخل البلاد من اجل تحقيقها.
ولكي تكون تلك الحوارات جهداً مفيداً غايته خدمة الوطن والامة حاولت ان اكتب في نهاية كل حوار موضوعاً استمزج فيه معظم الاراء ثم اعطي وجهة نظري في الاحداث واقدم المقترحات التي اعتقدها مناسبة للمرحلة التي يمر بها الوطن عسى ان يكون هذا الجهد واحداً من اللبنات التي يحتاجها الوطن في عملية اعادة البناء والاعمار الان وفي المستقبل ايماناً مني بان الكلمة الحرة والقلم الشريف وما ينتج عنهما من جهد فكري وثقافي يعتبر نوعاً من انواع المقاومة السلمية للاحتلال الاجنبي والذي لا يقل اهمية عن المقاومة الوطنية الشريفة التي هي حق من حقوق الشعوب المضطهدة" بل ويعد مكملاً لها وموضحاً لاهدافها بشرط ان يستوفي الاثنان الشروط الموضوعية الواجب توفرها لاحدهما او كلاهما ليكوّنا الاسلوب الناجح الواجب اتباعه لمقاومة الاحتلال وانتزاع حرية الوطن واستقلاله.
وقد توزعت محاور هذا الجهد المتواضع على ستة فصول:
الفصل الاول : "العراق بين تاريخين" ويتناول الفترة الزمنية الممتدة من 11/3/1917 وحتى 9/4/2003م وما تلا ذلك من تداعيات لا يمكن ان تنتهي الا برحيل المحتلين حيث تم توزيعها على خمسة مباحث:
- المبحث الاول: يمثل الفترة الزمنية الممتدة من 11/3/1917 وحتى 14/تموز /1958 حيث بدأ بالاحتلال ثم الانتداب الذي استمر لغاية العام 1932، عام توقيع المعاهدة العراقية البريطانية التي حصل بموجبها العراق على الاستقلال الشكلي ليدخل عصبة الامم المتحدة ويبقى كذلك تحت الحكم الملكي الدستوري الهاشمي حتى قيام ثورة الشعب والجيش يوم 14/تموز/1958م.
- اما المبحث الثاني: فيشمل الفترة الزمنية التي بدات من يوم 14/تموز/1958م حتى قيام الحركة الانقلابية في 8/شباط/1963 التي انهت العهد الجمهوري الاول الذي عرف بالعهد القاسمي.
- اما المبحث الثالث: فيشمل الفترة الزمنية الممتدة من 9/شباط/1963 وحتى 17/تموز/1968 بمرحلتين الاولى بدأت بتعاون البعث والرئيس عبــد السلام عارف و استمرت حتى قيام الحركة الانقلابية التي قادها عبد السلام عارف في 18/تشرين الثاني/1963 لتبدأ المرحلة الثانية التي تداول السلطة فيها كل من الرئيس عبد السلام عارف من 18/11/1963 وحتى 13/4/1966 يوم تحطمت الطائرة المروحية التي كان يستخدمها في سفرته الى محافظة البصرة اعقبه شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف ابتداءاً من 16/4/1966 وحتى 17/تموز/1968م وقد عرف بالعهد الجمهوري الثاني اوالعهد العارفي (لتولي الاخوين عارف رأس الهرم في العراق واحداً بعد الاخر).
-                    اما المبحث الرابع: ويشمل الفترة الزمنية التي بدات بصعود البعث الى السلطة في العراق مرة ثانية في 17/تموز/1968 واستمر حتى التاسع من نيسان عام 2003م (يوم انهيار الطاغية وحكم البعث) الذي استمر (35) عاماً حيث توزعت على مرحلتين الاولى بدات يوم 17/تموز/1968 وانتهت يوم 16/تموز/1979 والتي عرفت بالعهد البكري نسبة الى الرئيس احمد حسن البكر الذي كان وقتئذ على رأس الهرم في العراق اما المرحلة الثانية فقد بدات من يوم 16/7/1979 واستمرت حتى سقوط الطاغية في 9/4/2003م وقد عرفت بالعهد الصدامي الذي تميز بوجود صدام حسين على رأس الهرم في العراق.
-                      اما المبحث الخامس: فقد تناول الفترة التي اعقبت انهيار الطاغية وبداية الاحتلال والتداعيات التي رافقت ذلك ويبدو ومن مجريات الاحداث انها سوف تبقى مستمرة الى ان يرحل المحتلون ويستعيد العراق حريته واستقلاله وقد عرفت هذه الفترة بمرحلة الحكم الانتقالي.
الفصل الثاني: "الواقع السياسي في العراق المعاصر" الذي يتناول الحركة السياسية في الساحة العراقية من خلال ثلاث مباحث:
-الاول:  يبحث في الخارطة السياسية للعراق بين احتلالين الاحتلال البريطاني للعراق  في 11/اذار/1917 والاحتلال الامريكي في 9/4/2003م حيث كانت الفترة الزمنية المحصورة بين الاحتلالين تشمل ثلاثة عهود توزعت كالاتي: عهد الانتداب، عهد الاستقلال الوطني الشكلي، العهد الجمهوري.
- اما المبحث الثاني : فقد تناول تجربة العمل المسلح في العراق من خلال الحديث عن:
v      حسن سريع وقيادته لانتفاضة البيرية المسلحة في معسكر الرشيد بتاريخ 3/7/1963م.
v      خالد احمد زكي وقيادته لتجربة الكفاح الشعبي المسلح في اهوار الجنوب بتاريخ 28/9/1967.
- اما المبحث الثالث: الذي يحمل اسم (اطياف ومكونات الساحة السياسية العراقية بعد الاحتلال. من السرية والمهجر الى العلنية على ارض الوطن) والذي تناول ومن خلال الجهد الميداني احصاء اكبر عدد ممكن من الاحزاب والحركات والجمعيات السياسية التي ظهرت في الساحة السياسية العراقية بعد الاحتلال والتداعيات التي افرزتها تلك الظاهرة على الجهد الوطني الذي لا يمكن ان ينهض بالمشروع الوطني مع هذا التشرذم الذي يخدم في النهاية الهدف الاستراتيجي لدولتي الاحتلال.
الفصل الثالث: "العراق والطاغية" ويتناول جانبين:
-         ماذا حل بالعراق اثناء حكم الطاغية وبعد سقوطه؟
-          بماذا يفكر العراقيون بعد سقوط الطاغية؟
والذي توزعت محاوره على خمسة مباحث:
- المبحث الاول: يتناول سياسة النظام المنهار تجاه الاحزاب السياسية التي كانت قائمة غداة استلامه السلطة يوم 17/تموز/1968.
- اما المبحث الثاني: فقد تناول السياسة الاقتصادية التي كان يروج لها النظام المنهار.
- بينما تناول المبحث الثالث: الايام التي سبقت بدء العمليات العسكرية الامريكية يوم 20/اذار/2003م.
- اما المبحث الرابع: فقد اعطى وصفاً دقيقاً للوضع النفسي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني الذي احاط بالعراقيين بعد التاسع من نيسان 2003م.
- لينتهي الفصل بالمبحث الخامس: الذي حاول ان يؤشر الطرق الكفيلة الواجب اتباعها من اجل المحافظة على كرامة البلد واستقلاله ووحدته الاقليمية.
الفصل الرابع: "العراق الى اين" ويتناول هذا الفصل من خلال المباحث الخمسة التي يتكون منها العناوين التالية: نحن وسلطة الاحتلال (الجانب الامني)، الجانب الاقتصادي، الجانب السياسي، نحن والارهاب، الجانب الاجتماعي و الثقافي.
الفصل الخامس:" العراقيون وتحديات المرحلة الراهنة" وقد تناول من خلال اربعة مباحث الموضوعات التالية: دور الوحدة الوطنية في تحقيق المهمات الوطنية الانية والمستقبلية، اهمية تلبية الحاجات الاساسية للمواطنين ودورها في تحقيق الامن والاستقرار واعادة الاعمار، الدستور الدائم وترسيخ الديمقراطية، اعادة بناء المجتمع الجديد وما يتطلبه ذلك من تشكيل لجنة وطنية لاعادة كتابة المناهج الدراسية.
الفصل السادس: وقد تناول قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية للوقوف على التجاذبات التي حصلت بين الارادة الوطنية وهيمنة الاحتلال.
ارجو ان يوفقني الله لما فيه الخير للجميع.

30/حزيران/2004م           الباحث/ محسن جبار العارضي

---------------------------------------------------------
 الكتاب كاملاً بصيغة ملف pdf