الاثنين، 14 أبريل 2014

عـ90ـاماُ على ثورة العراق التحررية الوطنية


المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
  "وفــوق كل ذي علــمٍ علـيم"«
                                                  صدق الله العلي العظيم
  
لقد اعتاد العراقيون في الثلاثين من حزيران من كل عام الاحتفال بذكـرى  ثورتهم العظيمة (ثورة العشرين التحررية الوطنية الكبرى)،الثورة التي اقضّت مضاجع الانكليز ودوّخت مجلس اللوردات،الثورة التي صنعتها الارادة القـوية للمرجعية الدينية المجاهدة ونضال الجماهير المؤمنة باستقلال العراق وحريته،الثورة التي ارضعتنا النخوة والشهامة وصفعنا بها خد الانكليز ([1]) .
     ولعلني لاابالغ اذا ما قلت ان هذه الحركة التحررية الاستقلالية التي طالبت بحق الحرية والجهاد سنة1338هـ الموافق 1920م ضد الاحتلال العسكري البريطاني المباشر،تُعد صفحة ناصعة من صفحات التاريخ السياسي للعراق المعاصر وبطولة نادرة ارخصت فيها الدماء الزكية،وذلك بعد ان قدم العراقيون انموذجاً رائعاً في التضحية والفداء من اجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار البريطاني البغيض، وتأسيس الكيان العراقي الجديد، الذي اريد له ان يكون مساهماً فعالاً في بناء المدنية والحضارة الانسانية.
     وقد برهن العراقيون عامة،ولاسيما الفراتيون منهم بخاصة، انهم جنود امناء في سوح القتال،ولن يصبروا على ضيم،فشهروا اسلحتهم ذائدين عن كرامتهم وحرياتهم المغتصبة في ثورة عارمة عمت البلاد من اقصاها الى اقصاها(على مدى140يوماً)([2]) ،كانت ثمرتها الاولى القناعة الكافية التي تولدت لدى القيادة العامة لقوات  الاحتلال البريطاني في العراق، وقبلها حكومة لندن،بعدم امكانية البقاء في اقليم العراق، وحكمه حكماً عسكرياًً مباشراً، حتى لو استخدمت احدث انواع الاسلحة ، الامر الذي دفع سلطة الاحتلال الى تأليف حكومة عبد الرحمن النقيب المؤقتة في27/10/1920م لادارة شؤون البلاد ريثما يتم اختيـار احد انجال الشريف حسين ليتولى عرش العراق. وهذه الثورة وان لم يجنِ منها الشعب العراقي الثمرة المرجـوة، الا انها كانت الشرارة الاولى التي الهبت في نفوس العراقيين الوعي الوطني، فكانت مقدمة لعدة انتفاضات وثورات قام بها الشعب العراقي ضد الانكليز المستعمرين حتى استطاع ان يحطم اغلال العبودية وبناء استقلاله الناجز التام ([3])  بقيام ثورة الجيش والشعب صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958م، التي خطط لها ونفذها التحالف الوطني [بجناحيه العسكري (منظمة الضباط الاحرار)، والمدني(جبهة الاتحاد الوطني)] بقيادة ابن الشعب البار الزعيم الوطني الفريق الركن عبد الكريم قاسم.
     وبناءاً على ماتقدم، ولان الثورة كانت ومازالت تُعد الحدث الابرز في التاريخ السياسي للعراق المعاصر، وجدنا جمهرة كبيرة من الكتّاب والمؤلفين العراقيين قد تصدت للكتابة عنها، بحيث افاضت في مؤلفاتها التي تُعنى بدراستها، وقدمت نتاجاً كبيراً في هذا المجال، الى درجة يمكن القول معها:(لقد حظيت الثورة بمساحة واسعة من الاهتمام على الصعيد الوطني.فلم تحضَ اي ثورة بالدراسة والتحقيق والتمحيص كثورة العشرين، اضافة الى ماكتبه العرب والاجانب عنها).
      ويمكن القول عن هذه الاصدارات، انها على درجة كبيرة من الاهمية، كونها تناولت اغراضاً متعددة (كانت المحاور السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والمحلية في المقدمة منها، فضلاً عن محور المذكرات،ومحور اعلام الثورة) ([4]) .
     ولكن السؤال الذي ظل يطرح نفسه باستمرار،مع هذه المساعي المباركة المبرورة المشكورة،هو:هل ان هذه الكتب والفصول والمقالات استطاعت ان ترفع الظلم عن ثورة العشرين؟ 
     وللاجابة عن هذا التساؤل، كتب شيخ بغداد الراحل أ.د.حسين علي محفوظ قائلاً: (وكل ورقة تضاف الى مكتبة الثورة انما تــضيف كثيراً من الحقائق والدقائق،وتكشف كثيراً من السدول والاستار، وثورة العشرين مظلومة على كثرة من الّف،وكثرة ماالِّف) ويستدرك ليقول عن هذه المساعي المباركة: (اتمنى ان تنخل وتستصفى وتنقى، ويضطم على نقاوتها وعصارتها وخلاصتها كتاب الثورة الكبير،الذي ادعو ان يحرر يوماً ما ان شاء الله) ([5]) .  
    وهذا التمني من لدن شيخ بغــداد الذي ما انفك يصرح به بين الفينة والاخرى ، يضاف له الرعاية الكريمة التي احاطني بــها قبل و اثناء وبعد المحاضرة التي القيتها عن ثورة العشرين لمناسبة ذكراها الثامنة والثمانين من على منبر  المجلس الادبي لمكتبة الجوادين العامة/الكاظمية، وحديثه المتواصل عن الثورة ودورها الكبير في التأثير على حياة العراقيين بوصفها حدثاً فاصلاً في التاريخ السياسي للعراق المعاصر،(كان من نتائجه الايجابية ظهور الكيان العراقي الجديد ـ ولو بعد حين ـ كدولة ذات سيادة من بين دول الاقليم). محفزات اساسية دفعتني للبحث والتحقيق والتدقيق في بطون الكتب التي تناولت الثورة لعلي اتمكن في نهاية المطاف من تسليط الاضواء على بعض الجوانب التي اغفلها من تصدى للكتابة عن الثورة(من الكتّاب العراقيين والعرب والاجانب) لاسباب قد تكون خارجة عن ارادته، او انه يعتقد انها غير ذات قيمة، او اغفلها لغاية في نفس يعقوب.فكانت الملاحظات القيمة التي ادلى بها الشيخ بعد المحاضرة، والتي شكلت مع مداخلات البعض من السادة الحضور، امثال: (الباحث والمحقق أ.د.حميد مجيد هدو، وامين عام تجمع احفاد ثورة العشرين السيد عبد الحسين السيد عبد العظيم السيد نور الياسري، والباحث الاستاذ اسماعيل طه الجابري، أ.د.جمال الدباغ، والدكتور.قصي الحسيني والناطق الاعلامي لتجمع احفاد ثورة العشرين السيد محمد الجابري، وغيرهم ممن حضر الجلسة) مرتكزات اساسية لبحثنا الموسوم (تسعون عاماً على ثورة العراق التحررية الوطنية في 30/حزيران/1920م).ولكي لا اقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه البعض، جاهدت نفسي ما استطعت، كي يخرج البحث وهو بعيد كل البعد عن التأثيرات الشخصية او العشائرية او القبلية او المناطقية او القومية او الدينية او المذهبية او الطائفية، من جهة. ومنحازاً كل الانحياز للعراق والعراقيين جميعاً ومن دون استثناء،من جهة اخرى.
     ونحن نعتقد ان التزام مثل هذا التوجه في الكتابة انما يعبّر عن التزام الكاتب بالمسؤولية الوطنية تجاه الوحدة الوطنية،وما هذا الالتزام الذي كنا ومازلنا وسنبقى متمسكين به،الا تجسيداً حياً لوصية شيخ بغداد أ.د.حسين علي محفوظ (طيب الله ثراه) للاحاسن من احبابه واصحابه واصدقائه وتلاميذه بالوحدة الوطنية، عندما كتب عنها قائلاً: "الوحدة الوطنية غاية كبرى، اعملوا جميعاً لها، وسارعوا جميعاً اليها، وحافظوا جميعاً عليها"([6]) .
    وعودة على بدء، ولكي نعطي للقارئ الكريم صورة واضحة عن جهدنا المتواضع الذي ندعو الله مخلصين ان يكون اسهامة جديدة ومفيدة تخدم القضية العراقية التي تفجرت الثورة من اجلها، لاسيما ونحن نعيش الآن ظروفاً قد تكون مشابهة الى حدٍ ما الظروف التي مرت على العراق في العقدين الاول والثاني من القـرن العشرين، فالاحتلال واحد في كل زمان ومكان، ومقاومة هذا الاحتلال حق مشروع ومقدس فرضته الشرائع السماوية واقرته المواثيق والاعراف الدولية، وعلى المتصدين للعمل الوطني في العراق الآن وفي المستقبل البحث عن انجع السُبل التي تساعد الشعب العراقي على نيل حريته واستقلاله الناجز، ولقد فصلّنا بحثنا الذي حاول الخوض في مثل هذا الميدان في سبعة فصول:
الفصل الاول:منها تناول بواعث الثورة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية) وعواملها.
بينما تناول الفصل الثاني:اسباب الثورة ودواعيها(الداخلية والخارجية).
اما الفصل الثالث:فتحدث عن الزمان والمكان الذي ظهرت فيه فكرة الثورة المسلحة،وعن اول جهة تبنت فكرة الثورة، ولماذا؟ فضلاً عن التركيزعلى بداية الدعوة للثورة المسلحة،والموقف العام في الفرات الاوسط قبل الثورة، منتهياً بالحديث عن مقدمات الثورة المسلحة.
وجاء الفصل الرابع:ليتحدث عن قطب الرحى الذي تمثل بمرجعية الامامين الحائري الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني،والدور الذي لعبه الآخرون من المجتهدين والاعلام في التخطيط للثورة والمشاركة في قيادتها.
ولقد اسهب الفصل الخامس:في الحديث عن إعلام الثورة(وسائل الدعاية)،الذي كان لخطباء المنبر الحسيني والصحافة والمنشورات دور كبير فيه،بالاضافة الى مافاضت به قرائح الشعراء من شعر فصيح وشعبي عامي، اتفق الجميع على تسميته بـ(ادب الثورة).
اما الفصل الاساس في البحث،فكان الفصل السادس:الذي تحدث بالتفصيل عن جبهات القتال وما حدث فيها من معارك ضارية استمرت(140) يوماً تكبد فيها المحتلون البريطانيون خسائر فادحة في الارواح والمعدات،كانت ولازالت من مفاخر العراقيين التي يباهون بها الامم،وسيبقون كذلك (الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً).
واخيراً جاء الفصل السابع: الذي توخينا منه ان يكون فصلاً للمراجعة والتقويم، لذلك حاولنا ان نسلط الاضواء من خلاله على بعض الموضوعات الحساسة الذي يأتي في المقدمة منها، العلاقة بين الثورة ومحيطها العربي (البعد القومي)، وكذلك الدور البطولي الذي لعبته المرأة العراقية المجاهدة في الثورة (تشجيعاً واسناداً ومشاركة) . ومن ثم الحديث عن بداية النـهاية للحركات الثورية (الوطنية) المسلحة وعلاقة ذلك بالجوانب السلبية التي رافقت الثورة حيث اقترن هذا الجهد بالبحث المتواصل عن اسباب انتكاستها، وتقديم الاجابة المطلوبة عن التساؤل الذي ظل يطرح نفسه باستمرار والذي يقول: هل حققت الثورة اهدافها؟ ليتواصل الحديث فيما بعد مسلطاً الاضواء على النتائج المتحققة من الثورة، والدروس والعبر منها، وآراء الضباط البريطانيين بها، واخيراً الحديث عن الموقف العام للعشائر العراقية - لاسيما الفراتية منها - بعد تنصيب الامير فيصل ملكاً على عرش العراق.ليكون مسك الختام الشكر والعرفان لجميع الذين احاطوني برعايتهم طيلة المدة التي استغرقتها عملية الاعداد للبحث،فمن اوضح لوازم الوفاء والعرفان بالجميل ان يشيد المرء بذكر من مد له يد العون والمساعدة. وامام هذا الفهم الصحيح والمسؤول لانماط الفكر الاجتماعي الواعي، اجد نفسي ملزماً بأن ارفع اسمى آيات الشكر والثناء الى ادارة مكتبة الجوادين العامة/ الكاظمية، التي هيأت لــي فرصة التحدث من على منبر مجلسها الادبي عن (ثورة العراق التحررية الوطنية الكبرى عام1920م) في ذكراها الثامنة والثمانين،فكان هذا الحديث نقطة الانطلاق الاولى والاساس الذي ارتكز عليه هذا الجهد المتواضع. فالشكر موصول لحفيد المجدد والمصلح الاكبر السيد هبة الدين(السيد أياد السيد جواد الحسيني الشهرستاني)، والى جميع الذين قدموا النصح والارشاد، (لاسيما استاذنا الفاضل،الباحث والمحقق أ.د.حميد مجيد هدو)، ومعهم جميع الذين ساهموا في تقديم اي نوع من انواع المساعدة. (وأخص بالذكر من هؤلاء ، جمعية النهوض الفكري/ الكاظمية). والجدير بالذكر في هذا الصدد، الدور المميز الذي قامت به ابنتي،المهندسة الكيمياوية سجى محسن العارضي، التي تبنت مهمة الطباعة والتنضيد الاولي والتدقيق، فضلاً عن ملازمتها إياي طيلة الفترة التي استغرقتها عملية اعداد الكتاب. ارجو ان يوفقني الله لما فيه خير الوطن والامة، كما وارجو قبول اعتذاري عن كل تقصير حدث سهواً.


11/شوال/1430هـ 1/تشرين الاول/2009م
الباحث/ محسن جبار العارضي





« سورة يوسف/الآية76.
([1]الدراجي،محمد عباس،عمود رئيس التحرير،مجلة الكوثر،العدد(56)،15-30/حزيران/2002م.
([2]الطعمة،سلمان هادي،تراث كربلاء،ط1 النجف 1964،ص282.
([3]الطعمة، سلمان هادي، تراث كربلاء،ط1 النجف 1964،ص293.
([4]الحكيم،أ.د.حسن،ثورة العشرين في المصادر العراقية ومحاورها الاساسية،مجلة الكوثر العدد(56) 15-30/ حزيران /2002م.
([5]العارضي،محسن جبار،بنو عارض...نسب وتاريخ ومواقف،ط1 بغداد 2003م،ص3.
([6]ينظر:* القيسي،د.سلمان عبد الجليل، من حديث المجالس الادبية والمنتديات الثقــافية في بغداد، ط2 ، 2009م،ص8.
            * مجلة صدى الكلمة،العدد الثاني،السنة الثانية/2005م،ص8

-----------------------------------------------------------------------



الكتاب كاملاُ بصيغة pdf



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق